سورة المدثر - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المدثر)


        


{وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)}
{وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ} تعظيم لها وتهويل {لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ} مبالغة في وصف عذابها، أي لا تدع غاية من العذاب إلا أذاقته إياها أو لا تبقي شيئاً ألقي فيها إلا أهلكته وإذا أهلك لم تذره هالكاً بل يعود للعذاب {لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ} معنى لوّاحة: مغيِّرة، يقال: لوّحه السفر إذا غيره والبَشَر جمع بَشَرة وهي الجلدة، فالمعنى أنها تحرق الجلود وتسودها. وقيل: لواحة من لاح إذا ظهر، والبشر الناس أي تلوح للناس، وقال الحسن: تلوح لهم من مسيرة خمسمائة عام.
{عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} يعني الزبانية خزنة جهنم، فقيل: هم تسعة عشرة ملكاً، وقيل: تسعة عشر صفاً من الملائكة، والأول أشهر.


{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)}
{وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النار إِلاَّ مَلاَئِكَةً} سبب الآية أنه لما نزل {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر: 30] قال أبو جهل: أيعجز عشرة منكم عن واحد من هؤلاء التسعة عشرة أن يبطشوا به، فنزلت الآية ومعناها أنهم ملائكة لا طاقة لكم بهم، ورُوي أن الواحد منهم يرمي بالجبل على الكفار {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} أي جعلناهم هذا العدد ليفتتن الكفار بذلك ويطمعوا أن يغلبوهم ويقولون ما قالوا {لِيَسْتَيْقِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب} أن ما قاله محمد صلى الله عليه وسلم حق، فإن قيل: كيف نفى عنهم الشك بعد أن وصفهم باليقين والمعنى واحد، وهو تكرار؟ فالجواب: أنه لما وصفهم باليقين نفى عنهم أن يشكوا فيما يستقبل بعد يقينهم الحاصل الآن، فكأنه وصفهم باليقين في الحال والاستقبال، وقال الزمخشري: ذلك مبالغة وتأكيد {وَلِيَقُولَ الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} المرض عبارة عن الشك، وأكثر ما يطلق الذين في قلوبهم مرض على المنافقين.؟ فإن قيل: هذه السورة مكية ولم يكن حينئذ منافقون وإنما حدث المنافقون بالمدينة، فالجواب من وجهين؛ أحدهما أن معناه يقول المنافقون إذا حدثوا، ففيه إخبار بالغيب، والآخر أن يريد من كان بمكة من أهل الشك. وقولهم: ماذا أراد الله بهذا مثلاً: استبعاد لأن يكون هذا من عند الله {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} يحتمل القصد بهذا وجهين؛ أحدهما وصف جنود الله بالكثرة أي: هم من كثرتهم لا يعلمهم إلا الله، والآخر رفع اعتراض الكفار على التسعة عشر أي لا يعلم أعداد جنود الله إلا هو؛ لأن منهم عدداً قليلاً ومنهم عدداً كثيراً حسبما أراد الله {وَمَا هِيَ إِلاَّ ذكرى لِلْبَشَرِ} الضمير لجهنم أو للآيات المتقدمة.


{وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37) كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)}
{كَلاَّ} ردع للكفار عن كفرهم، وقال الزمخشري: هي إنكار لأن تكون لهم ذكرى {إِذْ أَدْبَرَ} أي ولى وقرئ دَبَر بغير ألف والمعنى واحد. وقيل: معناه دبر الليل والنهار أي جاء في دبره {والصبح إِذَآ أَسْفَرَ} أي أضاء، ومنه الإسفار بصلاة الصبح {إِنَّهَا لإِحْدَى الكبر} الضمير لجهنم، أو للآيات والنذارة أي هي من الأمور العظام، والكبر جمع كبرى وقال ابن عطية: جمع كبيرة والأول هو الصحيح {نَذِيراً لِّلْبَشَرِ} تمييز أو حال من إحدى الكبر وقيل: النذير هنا الله، فالعامل فيه على هذا محذوف. وهذا ضعيف، وقيل: هو حال من هذه السورة أي قم فأنذر نذيراً وهذا بعيد، قال الزمخشري: هو من بدع التفاسير {لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} التقديم عبارة عن تقديم سلوك طريق الهدى والتأخر ضده، ولمن شاء بدل من البشر أي هم متمكنون من التقدم والتأخر، وقيل: معناه الوعيد كقوله: {فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] وعلى هذا أعرب الزمخشري أن يتقدم مبتدأ ولمن شاء خبره والأول أظهر {رَهِينَةٌ} قال ابن عطية: الهاء في رهينة للمبالغة أو على تأنيث النفس. وقال الزمخشري: ليست بتأنيث رهين لأن فعيلاً بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، وإنما هي بمعنى الرهن، أي كل نفس رهن عند الله بعملها {إِلاَّ أَصْحَابَ اليمين} أي أهل السعادة فإنهم فكوا رقابهم بأعمالهم الصالحة، كما فكَّ الراهن رهنه بأداء الحق وقال عليّ بن أبي طالب: أصحاب اليمين هم الأطفال لأنهم لا أعمال لهم يرتهنون بها، وقال ابن عباس: هم الملائكة {يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ المجرمين} أي سأل بعضهم بعضاً عن حال المجرمين الذين في النار {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} أي ما أدخلكم النار، وهذا خطاب للمجرمين، يحتمل أن خاطبهم به المسلمون أو الملائكة فأجابوهم بقولهم: {لَمْ نَكُ مِنَ المصلين} وما بعده، أي هذا الذي أوجب دخولهم النار، وإنما أخر التكذيب بيوم الدين تعظيماً له لأنه أعظم جرائمهم {نَخُوضُ} الخوض هو كثرة الكلام بما لا ينبغي من الباطل وشبهه {حتى أَتَانَا اليقين} هو الموت عند المفسرين وقال ابن عطية: إنما يقين الذي أرادوا ما كانوا يكذبون في الدنيا، فيتيقنونه بعد الموت {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشافعين} إنما ذلك لأنهم كفار، وأجمع العلماء أنه لا يشفع أحد في الكفار، وجمع الشافعين دليل على كثرتهم كما ورد في الآثار، تشفع الملائكة والأنبياء والعلماء والشهداء والصالحين.

1 | 2 | 3